الفصل الأول من ظاهرة الشعر الحديث : التطور التدريجي في الشعر الحديث
القسم الأول : نحو مضمون ذاتي :
يقوم التيار الإيحيائي على تقليد القدامى والسير على خطاهم ، وذلك عن طريق العودة إلى الماضي الشعري الزاهر ، وتقليده شكلا ومضمونا من أجل الخروج من الازمة الشعرية التي عاشها شعراء عصر النهضة .
من أهم رواد التيار الايحيائي ، نذكر : محمود سامي البارودي الذي توسل بالبيان الشعري القديم وعاش على أنقاضه ، مما جعل هذه الحركة الشعرية ، حركة تقليدية محافظة ، بسبب تبنيها لطرق التعبير عند الشعراء القدامى ، لتصبح فيما بعد العودة إلى التراث الشعري القديم أهم مرتكز يقوم عليه التيار الإيحيائي . الشيء الذي أدى حسب الكاتب " أحمد المعداوي المجاطي "، إلى انعدام الحرية الابداعية ، وانعدام التأثر الحقيقي بالثقافة الاجنبية ، ذلك أن هذا التقليد الأعمى للقدامى لم يفتح المجال أمام الشعراء للتعبير عن الذات ، ورصد الواقع ، وإنما هذا التقليد كان من أجل الحفاظ على القصيدة كما هي، والذي كان بمثابة قيد أمام تطور الشعر العربي فبقي حبيس الماضي التليد .
التيار الذاتي : الحركة التجديدية الأولى:
ظهر التيار الوجداني مع جماعة الديوان ، وجماعة أبولو ، والرابطة القلمية . وقد كانت الانطلاقة الأولى للتيار الذاتي مع مدرسة الديوان على يد عبد الرحمان شكري ، وعبد القادر المازني ، وعباس محمود العقاد . ويتميز أصحاب هذه الجماعة بكونهم يربطون الشعر بالذات مع اختلافات بسيطة في التعبير فيما بينهم. مما اعطى تمايز في مضامين شعرهم .
فالشعر عند العقاد هو مزج بين الشعور والفكر الذهني ، مع طغيان ماهو فكري وعقلي على ماهو وجداني شعوري . مثال ذلك القصيدة الشعرية " الحبيب "التي غلب فيها المنطق العقلي على ماهو وجداني ، الشيء الذي دفع "صلاح عبد الصبور " يعتبر العقاد مفكرا قبل أن يكون شاعرا. مؤلف ظاهرة الشعر الحديث . ص: 13 .
أما عبد الرحمان شكري : فقد جعل الانطلاق من النفس والتأمل في الذات أكبر من الاستجابة لمتطلبات الواقع مستبعدا ماهو عقلي .
بينما الشعر عند المازني هو كل ماتفيض به النفس من إحساس وعواطف ، وخاصة الإحساس بالألم ، فالمعاني عند المازني جزء من النفس تدرك بالقلب وليس بالعقل .
تيار الرابطة القلمية :
لقد نشأ تيار الرابطة القلمية على يد جبران خليل جبران ، وميخائيل نعيمة ، وإيليا أبو ماضي . هذا التيار الذي وسع مفهوم الوجدان ليشمل الحياة والكون في إطار وحدة الوجود الصوفية . فاختلط الوجدان بالذات والهجرة والغربة والوحدة . وإن كان جبران قد فضل حياة الفطرة على حياة الحضارة . وهذا ما يظهر من خلال قوله :
ليس في الغابات حزن لا ولا فيها الهموم . ( ص :20 ظاهرة الشعر الحديث).
بينما لجأ ميخائيل نعيمة إلى الغاب هربا بأحلامه ، وفضل حياة الغاب على تعقد الحضارة .
أما أبو ماضي : فقد سار على غرار جبران ونعيمة حيث لجأ إلى الفرار من الحضارة المعقدة الى القفر والغاب . مستعصما بالقناعة والرضا.
فرغم معاصرة الرابطة القلمية للمد القومي العربي إلا أنها ظلت حبيسة الذات والمضامين السلبية ومتقوقعة حول اليأس والخنوع و الاستسلام .
جماعة أبولو :
تأسست جماعة أبولو سنة 1932 في مصر ، وقد استلهمت الاسم من أبولو " إله الفنون والعلوم في الأساطير اليونانية " ، وكانت لها مجلة بنفس الاسم " أبولو".
وبالرغم من أن هذه الجماعة لم تعمر طويلا ، إلا أنها تركت أثرا واضحا في العالم العربي .
تأسست هذه الجماعة على يد " أحمد شوقي"، ومطران خليل مطران"، ثم "أحمد زكي "، و" أبو شادي". وقد اهتم شعراء هذه الجماعة بألم الذات .
فالحياة عندهم تتراوح بين السعاد المطلقة ، أو الشقاء المطلق . كما أن شعر هذه الجماعة يتغنى بالدفاع عن كرامة الأدباء ، وتعميق الاتجاه الوجداني والانفتاح على الغرب . أما طرق استكشاف الذات عند هذه الجماعة فهي مختلقة : فنجد أن أكثر شعر أبو ابراهيم ناجي حول المرأة ، بينما هام أبو القاسم الشابي بالجمال ، فيما شعر علي محمود طه يتميز بالبهجة والمسرة .
القسم الثاني : نحو شكلٍ جديد.
اذا كانت القصيدة الايحائية تعتمد على تقليد الماضي والسير على نهج القدامى ، فإن التيار الوجداني قد تمرد على النظام القديم ، ومن أهم التغييرات التي طالت القصيدة الإيحيائية نجد :
اللغة : حيث اعتمد شعراء هذا التيار لغة بسيطة ، وسهلة أقرب ما يكون إلى اللغة اليومية ، وذلك لرغبتهم في تحرير الشاعر من قيود اللغة المعقدة والمكلفة التي تبناها التيار الإيحيائي هذا من جهة ومن جهة أخرى رغبة منهم في التأثير في أكبر عدد من المتلقين .
أما على مستوى الصور الشعرية : فقد وظف رواد هذا التيار الوجداني ، صور شعرية تعبر عن الإحساس وتقوم على الخيال ، و تبرر هروب الشاعر إلى الطبيعة كما تعكس نظرته إلى الوجود والكون .
لكن رغم هذا التوظيف عند الرومانسيين إلا أن المجاطي أخذ على الرومانسيين أن الصور المعتمدة لديهم ليست صورا إبداعية ، وتعبيرا فعليا عن إحساسهم بقدر ماهي تقليد لبعض شعراء العرب القدامى .
أما الإيقاع: فقد حاول الرومانسيون تغيير العديد من إيقاع القصيدة ، كالتحرر من وحدة الروي ، والقافية ، والمزج بين البحور بدل اعتماد البحر الواحد ، والقافية الموحدة ، والروي الموحد . فحسب المجاطي هذا التغيير لم يكن جوهريا ، بل أكثر من ذلك كان فاشلا شكلا ومضمونا . إذ لم تحقق أي تجديد مهم إن على مستوى الشكل ، أو على مستوى المضمون الذي كان سلبيا ، حسب المجاطي . حيث لم يظهر التجديد بالتشكل بطريقة فعلية إلا مع نكبة فلسطين ، ونهاية الحرب العالمية الثانية ، حيث انهار النموذج التقليديبشكل فعلي وظهر الشعر الحديث .
0 تعليقات