الزمن في الرواية : زمن القصة ، زمن الخطاب

فاطمة الزهراء قريشع أبريل 05, 2021 مارس 04, 2024
للقراءة
كلمة
0 تعليق
نبذة عن المقال:
-A A +A


- الزمن في الرواية :

تعود الجذور الأولى للتفكير في الزمن كمفهوم ، إلى منظورات فلسفية حيث استأثر باهتمام العديد من الفلاسفة ، من مختلف المشارب التي تنطلق من اليومي ، لتطال الكوني والإنطولوجي ، و لتسع فيما بعد مجالات كثيرة فلكية وسيكولوجية ، ومنطقية وغيرها .

عموما ، مفهوم الزمن ، مفهوم فضفاض ، يختلف باختلاف المجال الذي يستخدم فيه .

لكن الذي يهمنا هنا ، هو الزمن الروائي ، باعتباره مكون من مكونات الخطاب الروائي ، والإيقاع الذي يضبط ويحكم أحداث الرواية ، والشاهد الرئيسي على مآل شخصياتها ، والمكون الفعال الذي يغذي حركة الصراع الدرامي فيها .

ويتميز الزمن الروائي ، عن باقي المكونات السردية الأخرى ، بانقسامه إلى قسمين : زمن القصة ، و زمن الخطاب .

1 : زمن القصة : La fiction 

وهو * زمن المادة الحكائية ، في شكلها ما قبل الخطابي ، إنه زمن أحداث القصة في علاقتها بالشخصيات والقواعد * . سعيد يقطين . انفتاح النص الروائي ، ( النص _ السياق ). ط. الأولى ، 1989.ص: 49.

وسمي هذا النوع بالصرفي ، لأنه قابل ، حسب سعيد يقطين ،"  أن يتجسد في أنحاء عديدة يمده بها تعدد الخطابات ، ومن خلال الخطاب المشتغل على الزمن الصرفي يتحقق زمن الخطاب " سعيد يقطين .المرجع نفسه ص: 47.

وزمن القصة يشمل ماهو كوني ، وماهو سيكولوجي .

بالنسبة للأول ، أي الكوني فيتجسد في الفصول ، والشهور ، و الأيام ، و السنوات ...، أي كل المؤشرات الزمنية التي نجدها في تضبط أوقات الرحلات في محطات القطار و المطارات وغيرها .

أما الثاني ، أي السيكولوجي ، فيشمل مختلف الذكريات و الأحاسيس و المشاعر ، وكذلك مشاريع الأعمال التي يقوم بها بطل الرواية ، و يتضمن أيضا ماهو تاريخي ، كالأثار و الأعمال الفنية وغيرها .

ويجب الإشارة إلى أن هذين الزمنين المذكورين ليسا بالضرورة أن يحضرا في كل قصة .

 وخير مثال على ذاك الرواية قيد الدرس  - الرهان الأخير لعبد الإله الحمدوشي - و التي نقتبس منها أمثلة توضيحية عديدة ،  نجد أنها لا تقدم زمنا ، أو تاريخا دقيقا لبداية الأحداث .

فكل ما هناك بعض المؤشرات الزمنية التي تظهر كومضات زمنية محددة من خلال : الفصول ، والأيام و أجزاؤها ، والساعات والدقائق....

فأحداث الرواية ، قد مرت في فصل  الخريف ، وهذا ما نستشفه من خلال ما ورد في ص 9: 

" فرغم أن نونبر قد أشرف على نهايته ، لم تنزل درجة الحرارة عن الخامسة والعشرين نهارا ، أما الليل فيتحول دفء الشمس اللذيذ إلى قشعريرة باردة لها وقع اللسعات ". الرواية المذكورة . ص : 9.

2: زمن الخطاب Temps du discour 

فيقصد به الزمن الزمن النحوي ، أي ذلك الذي تعطى  فيه للخطاب زمنيته الخاصة في إطار العلاقة بين الراوي والمروي له . 

فالأحداث في زمن الخطاب ، تسير بشكل خطي ، وفق تسلسل كرونولوجي ، حيث تتخطى فيه  الزمنية  النحوية ، زمنية الأحداث الطبيعية الصرفية ، من خلال تكسيرات يعتمدها الكاتب .

وزمن الخطاب يمكن دراسته من خلال العناصر التالية :

أ: الترتيب L’ordre

والمقصود بالترتيب ، ترتيب أحداث الرواية وتنظيمها داخل المحكي ، واحترام ترتيب الأحداث حسب تسلسلها الزمني والمنطقي .

وهذا لا يعني لا يمكنه حكي الأحداث قبل حدوثها ، بل العكس تماما ، يمكنه ذلك وفق ما يسمى بالاستباقات كعنصر من عناصر الخطاب الزمني .

2: الاستباقات Les prolepses 

 الاستباقات هي عملية سردية تتسم بقلتها في النصوص السردية المعاصرة  ، إذ لا يعتمدها العديد من الكتاب . والاستباقات تنقسم إلى قسمين :

* استباقات داخلية Les prolepses 

 وتتمثل في العنوان ، كونها أول ما يلفت انتباه القارئ في الرواية ، لذلك يعد أول استباق للأحداث ، كونه يمثل اختزال للنص في غالب الأحيان .

كما أنه يوحي ضمنا أو تصريحا ، لما سيقع داخل الرواية ، خصوصا وأن الرهان الاخير مثلا ، تدور حول براءة الشخصية الرئيسية في النص ! 

رهان قام بين الشرطة التي أدانت عثمان ، والمحامي الذي برأه من التهمة ، و يتضح هذا أكثر في اخر جملة في الرواية ، والتي نطق بها المحامي :” لم تكن لتهتم أيها الواعر بهذه الإشارة لو أدين عثمان ، لقد اهتممت بها على ضوء براءته ... لم تربح الرهان " . ص: 169.  الرهان الاخير عبد الاله الحمدوشي .

* استباقات خارجية Les prolepses extremes

يقصد بها الأحداث التي ستقع لاحقا ، فينطق بها السارد قبل حدوثها ، وهذا ما يمكن أن يحد من انتظار القارئ ، من أمثلته المقتطفة من نفس الراوية .ص: 45 : 

" أحس المفتش أنه سيقع في ورطة كبرى إذا كان الشخص الذي بالداخل قد خرج أثناء غفوته ".

" وسأكون بالنسبة لهم المتهم الأول ، إلى أن يجدوا القاتل الحقيقي ". المصدر نفسه . ص: 51.

" إذا كنت تخشين عن نفسك ، فتأكدي أنني سأبرئك من أية تهمة ، حتى لو ألصقوا بي قتلها ، وحكموا علي بالإعد ام ." الرواية المذكورة .ص: 83.

ب: الاسترجاعات Analepes

وهي تقنية روائية شائعة في الرواية بنوعيها الكلاسيكية و الحديثة ، كما يقوم السارد من خلاله باسترجاع أحداث أو أوصاف مضت وسردها عن طريق الاستحضار والاستذكار من أجل تسليط الضوء على الحاضر .

مثاله : 

" ...لما افترقت معك ، وعدت إلى الفيلا ، لم أجد صوفيا قد ماتت ، كانت تحتضر ، وبعينيها ترجتني أن أنزع السكين من بطنها ، لم يكن علي أن أفعل ، و لكنني فعلت ، كان الموقف أقوى مني ...". ص: 85. 

“ففي ذلك المساء خرجنا جميعا من الريسطو ، وقبل أن ننطلق بسيارتنا رأيت عثمان وقد صعد السيارة بجانب المدام . أدار المحرك ، لكنه أسكته وعاد مسرعا إلى الريسطو ". 

هذه فقط بعض الأمثلة التي اختارناها على سبيل الاستدلال ، أما في الرواية فهناك استرجاعات كثيرة ، وهذا طبيعي كون الرواية بوليسية ، و هناك جريمة قتل ، لذلك من الطبيعي هيمنة الاسترجاعات عن الاستباقات ، حيث أن هناك استرجاع عند كل استجواب.

2:  المدة Duree

المدة ، أو السرعة السردية ، أو سرعة القص ، هي التي تحدد انطلاقا من العلاقة بين مدة الوقائع ، أو الوقت الذي تستغرقه ، وطول النص الذي يقاس بعدد الأسطر أو الصفحات .

و قد حدد جيرار جونيت Gerard Genette ، السرعة السردية في أربعة عناصر . المشهد Scene ، الإيجاز Sommaire ، الوقفة Pause، الخذفEllipse.

 أ : المشهد Scene:

المشهد ، عادة ما يكون حوارا ، يتطابق فيه زمن السرد و المدة الحقيقية ، ويمكن تبسيط هذا النموذج النظري بالإشارة إلى زمن القصة برمز " ز.ق" ،  إي الواقع ، أو المتخيل المسرود . و زمن السرد أو الفعل السردي ب " ز.س ". 

ويكون ز. ق = ز. س غالبا في المشاهد الحوارية حيث يشعر القارئ أن الحكاية لا تتجاوز المحكي ولا المحكي يتجاوز الحكاية . ومن أمثلته :

" وماذا ستفعل الان ؟ 

لست أدري ... أعترف أنني لم أكن مهيأ لمثل هذه المفاجأة.

هل راها أحد المستخدمين وهي تصعد عنده .

طلب الإذن من مستخدم الاستقبالات ، و هو الذي أخبرني أنها صعدت إلى صعدت إلى غرفة جاك ، و كلفني هذا الخبر مئة درهم. الرواية ص: 135 .

ب: الإيجاز Sommaire 

إذا كان التساوي هو الذي يطبع المدة ، فإن الإيجاز هو تلخيص للمدة ، إذ " يكتفي السارد بالإشارة إلى الأحداث دون إعطائها ما تستحق من الزمن ، جريا وراء ما يراه أكثر أهمية " كما عبر عن ذلك قنديل أن هاشم . ص: 47 .

مثاله :

" بدا الواعر وكأنه لم يستمع لكلام عثمان ، قلب عدة أوراق في مفكرته طويلا ، يخدق في إحدى صفحاته " الرواية ص: 5

ج: الوقفة Pause

وهي تقنية يتوقف فيها السارد ، ثم يتابع الاحداث من أجل فسح المجال للوصف ، فيشعر القارئ المتتبع للأحداث بشغف ، وتشويق أن متعته قد انتزعت ، من أجل تعليق على ما سبق ، أو من أجل تفسير ، أو إيراد أمثال وحكم ... أو أي شيء من شأنه أن يفصل تدفق الحكاية ، و يوقف مدتها الزمنية . 

والوقفة لو بترت و نزعت من المقطع لم يضيع معناه و لن يؤثر عنه بشيء  .

مثل :

"تبعته  إلى الباب ، وبعد خروجه أحكمت إغلاق الأقفال ، واستسلمت لوحدتها ، لم تخمن أبدًا أن الأبناء يكبرون بسرعة ، و يتزوجون ثم يتبخرون . الكبير يعيش في فرنسا وأخوه ضابط شرطة مثل أبيه في مدينة مكناس ، أما البنت سمية فأدركتها هي الأخرى مهنة أبيها ..." الرهان الأخير ص: 23.

فهذه الفقرة يمكن للقارئ تجاوزها ، واستئناف القراءة ، خاصة وأن ما يخص حياة زوجة الضابط وأبنائه ، بعيد عن موضوع الرواية ، إضافة إلى أن هؤلاء الأشخاص لك يذكروا بتاتا في الرواية ، إلا في هذه الفقرة . 

الحذف Ellips

إذا كانت الوقفة وصف سكوني ثابت.  فإن الحذف حركة سردية حركية ، وهذا يعني أن السارد في الحذف يقفز على فترة زمنية كاملة .

مثاله :

" يعيش وحيدا في بيت على سطح عمارة ، منذ ثلاث سنوات أعلن إفلاسه التام ، بعد أن طلق زوجته بأربعة أبناء وترك لها البيت ، لم يعد قادرا على تأدية النفقة لأولاده ، وبداية حياة جديدة ، الكل يتحاشاه خوفا أن يطلب سلفة " .

في هذا المقطع كان بإمكان السارد أن يذكر لنا سبب إفلاس " المفتش عسيلة " ، وسبب تطليقه زوجته ، و الاسباب التي وراء خسرانه لراتبه الشهري ، أو ماذا يفعل به ؟ أو لماذا لا يكفيه ، خاصة وأنه وحيد .

لكن السارد قفز على كل هذه المعطيات . و حذفها .

وأيضا "قبل خمس سنوات كان الفقر أعظم مشكل في حياة عثمان ، أما الان فهاهو يرتدي البذل الثمينة ،ويسير مطعما راقيا ، ويسوق سيارة MBW ويسكن فيلا فاخرة ..." 

هنا أيضا يطرح السؤال ، ماذا كان يفعل عثمان خلال الخمس سنوات الماضية ، و هو سؤال لكم يجب عنه السارد طبعا . وإنما اكتفى فقط بتصوير الحياة الجديدة لعثمان .


ب : المحكي الإكراري Recit repetatif 

 المحكي الإكراري ، هو حكي حدث وقع مرة واحدة ، وتكراره عدة مرات ، مثاله في الرواية قيد التحليل كثير ، من ضمنه ، تكرار حدث مقتل صوفيا ، وخوف عثمان من البصمات ، ولحظات انتظار صوفيا... التي شكلت هاجسا قويا بالنسبة لعثمان ، و خلقت له توترا فسار الحدث يكرر بشكل كثير تازة مع نفسه : توقف عن الكلام فجأة ، هل يعترف لها بمخاوفه عن البصمات ؟" ص : 85 . من نفس الرواية .

أطلق تنهيدة وهو يتذكر البصمات مرة مع نفسه ، ومرة مع أمه : " ربما تركت البصمات على السكين الذي قتلت به لما نزعته من بطنها " ص: 41 نفس المرجع .

" وجدتها يا أمي ملقاة على السرير ، تسبح في الدماء والسكين منغرزة في بطنها ...حاولت أن تتكلم ، فتحت فمها ولكنها لم تقل شيئا ، أشارت بعينيها في رجاء إلى بطنها (...) فنزعت السكين من بطنها وأنا في حالة ذهول " ص: 41.

وأخرى مع نعيمة :" لما افترقت معك ، وعدت إلى الفيلا ، لم أحد صوفيا قد ماتت ، كانت تحتضر ، وبعينيها ترجتني أن أنزع السكين من بطنها ، لم يكن علي أن أفعل ، ولكنني فعلت ، كان الموقف أقوى مني ، نزعت السكين ووضعته على الفراش ، وهرعت إلى الهاتف لأياديه الإسعاف والشرطة ". ص . 85- 86 من الرهان الاخير .

وتارة مع الشرطة :"  لم تكن ماتت بالمرة ، كانت في نزعها الاخير ... حاولت أن تتكلم فتحت فمها ، ولم تخرج أي صوت ، كنت مرعوبا ، ولم أعرف ما يتوكل علي فعله (...) أمالت رأسها حول صورة تجمعها بابنها ، وكأنها تريد أن تودعه ، أرادت الإمساك بها ولكنها أسقطتها ". ص : 82 نفس المصدر .

وأخرى مع المحامي و الشرطة بعد الإعلان عن براءته : " كانت صوفيا تحتضر ... حاولت أن تتكلم ، ولكنها لم تستطع التفتت على الصورة وحاولت جرها إليها ولكنها أسقطتها ..." ص : 159 نفسه .

ج: المحكي الإعادي Recit iteratif 

وهو ما يحكي ويقص حدثا وقع مرات عديدة فقط مرة واحدة ، والهدف من المحكي الإعادي ، هو القفز الزمني والمرور بسرعة لما هو أهم . و من أمثلته : " أظن أنه لا جدوى من ذكر التفاصيل ، كنت واحد ممن تدخلوا لحل المشكلة وقد انتهى بالتفاهم ". ص 61 . رواية الرهان الأخير .

" حكى لها المحامي قضية عثمان مرتبة ، بحيث بدا جوهر المشكل واضحا من كل جوانبه ." ص: 125 . المصدر أعلاه .

شارك المقال لتنفع به غيرك

فاطمة الزهراء قريشع

الكاتب فاطمة الزهراء قريشع

تايمة20 هي مدونة تعرض كل ما يخص العلوم و الاداب و الثقافة ومهارات التواصل وقواعد اللغة مع الشروحات باإضافة إلى الصور والفيديوهات بشكل صادق و دقيق.

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

0 تعليقات

5614484685789271501
https://www.modawine.com/